فصل: أَشْهُرِ الْحَجِّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الْحَجِّ:

الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَرْتِيبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ تَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْحَجِّ إلَى هُنَا وَوَجْهُ تَقْدِيمِهِ عَلَى النِّكَاحِ كَوْنُ الْحَجِّ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ وَلَيْسَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ (هُوَ) لُغَةً: الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ كَمَا ظُنَّ وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ:
وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُؤَلًا كَثِيرَةً ** يَحُجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا

أَيْ يَقْصِدُونَ لَهُ مُعَظِّمِينَ إيَّاهُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَتْحُ وَالْكَسْرُ لُغَةُ نَجْدٍ وَالْفَتْحُ لِغَيْرِهِمْ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ اسْمٌ وَبِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ لَكِنْ قُرِئَ فِي التَّنْزِيلِ بِهِمَا وَهُوَ نَوْعَانِ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ حَجُّ الْإِسْلَامِ وَالْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ كَمَا فِي النُّتَفِ وَشَرْعًا (زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ) الْمُرَادُ بِالزِّيَارَةِ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ بِالْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ وَالْجَبَلِ الْمُسَمَّى بِعَرَفَاتٍ وَلَوْ قَالَ قَصْدُ مَكَان لَتَضَمَّنَ الشَّرْعِيُّ اللُّغَوِيَّ مَعَ زِيَادَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الزِّيَارَةُ تَتَضَمَّنُ الْقَصْدَ وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ جِنْسَهُ وَلِذَا قَالَهُ فِي الْإِصْلَاحِ هُوَ زِيَارَةُ بِقَاعٍ مَخْصُوصَةٍ فَيَعُمُّ الرُّكْنَيْنِ وَغَيْرَهُمَا كَمُزْدَلِفَةَ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ (فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ (بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ مُحْرِمًا (فُرِضَ) الْحَجُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الْآيَةَ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ أَنْوَاعٌ مِنْ التَّأْكِيدِ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} يَعْنِي أَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلَّهِ فِي رِقَابِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ عَلَى لِلْإِلْزَامِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ ذَكَرَ النَّاسَ ثُمَّ أَبْدَلَ مِنْهُ مَنْ اسْتَطَاعَ وَفِيهِ ضَرْبَانِ مِنْ التَّأْكِيدِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِبْدَالَ تَنْبِيهٌ لِلْمُرَادِ وَتَكْرِيرٌ لَهُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْإِيضَاحَ بَعْدَ الْإِبْهَامِ وَالتَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ إيرَادٌ لَهُ فِي صُورَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى وَمَنْ كَفَرَ مَكَانَ وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ تَغْلِيظًا عَلَى تَارِكِ الْحَجِّ وَلِذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» وَمِنْهَا ذِكْرُ الِاسْتِغْنَاءِ وَذَا دَلِيلُ السَّخَطِ عَلَى التَّارِكِ وَالْخِذْلَانِ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {عَنْ الْعَالَمِينَ} وَلَمْ يَقُلْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْ الْعَالَمِينَ تَنَاوَلَهُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ لَا مَحَالَةَ؛ وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ الْكَامِلِ فَكَانَ أَدَلَّ عَلَى عِظَمِ السَّخَطِ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْحَجُّ وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (فِي الْعُمُرِ مَرَّةً)؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قِيلَ لَهُ أَيُحَجُّ فِي كُلٍّ عَامٍ أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً ؟ فَقَالَ: لَا.
بَلْ مَرَّةً فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ»
؛ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي تَمَامِ هَذَا التَّعْلِيلِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ يَتَكَرَّرُ مَعَ عَدَمِ التَّعَدُّدِ فِي السَّبَبِ كَمَا فِي وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ وَقْتِهِ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الرَّأْسُ.
تَأَمَّلْ (عَلَى الْفَوْرِ) أَيْ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ فَرْضٌ عَلَى الْفَوْرِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْفَوْرِ أَنْ يَتَعَيَّنَ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ لِلْأَدَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ مَالٌ أَيَحُجُّ بِهِ أَمْ يَتَزَوَّجُ ؟ فَقَالَ: بَلْ يَحُجُّ بِهِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي التَّزْوِيجِ تَحْصِينَ النَّفْسِ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْحَجِّ يُفَوِّتُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَمَرَ بِمَا يُفَوِّتُ الْوَاجِبَ مَعَ إمْكَانِ حُصُولِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِمَا أَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ إنْ أُرِيدَ النِّكَاحُ مُطْلَقًا فَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ وَإِنْ أُرِيدَ النِّكَاحُ حَالَ التَّوَقَانِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَجِّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ أَمْرَيْنِ تَرْكُ الْفَرْضِ وَالْوُقُوعُ فِي الزِّنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ فِي مُطْلَقِ النِّكَاحِ لَا فِي النِّكَاحِ حَالَةَ التَّوَقَانِ بَلْ وَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي لَمَا قَدَّمَهُ عَلَى النِّكَاحِ وَهُوَ سُنَّةٌ فِي الْحَالِ إذْ فِي تَقْدِيمِهِ تَفْوِيتٌ لِلسُّنَّةِ وَلَا شَيْءَ فِي تَأْخِيرِهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرَاخِي فَحَيْثُ قَدَّمَهُ عُلِمَ أَنَّهُ فَوْرِيٌّ كَمَا قَالَ ابْنُ كَمَالِ الْوَزِيرُ وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلِذَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لَكِنَّ التَّعْجِيلَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ أَدَّى فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا وَلَوْ تَعَيَّنَ الْأُولَى لَكَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَاضِيًا لَا مُؤَدِّيًا فَكَانَ الْعُمُرُ كَالْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ، وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ يَجُوزُ فَكَذَا تَأْخِيرُ الْحَجِّ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَ بِالْمَوْتِ يَجُوزُ.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَوْ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ فَهَلْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّا جَوَّزْنَا التَّأْخِيرَ فَلَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا مَحْظُورًا بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّا إنَّمَا جَوَّزْنَا التَّأْخِيرَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَالْأَدَاءِ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَالثَّالِثُ إنْ خَافَ الْفَقْرَ وَالضَّعْفَ وَالْكِبَرَ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ يَأْثَمُ وَإِنْ أَدْرَكَتْهُ الْمَنِيَّةُ فَجْأَةً قَبْلَ خَوْفِ الْفَوَاتِ لَمْ يَأْثَمْ وَأَمَّا إذَا ظَنَّ الْمَوْتَ بِالْأَمَارَاتِ فَيَأْثَمُ بِالْفَوْتِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِدَلِيلِ الْقَلْبِ وَاجِبٌ عِنْدَ فِقْدَانِ غَيْرِهِ.
وَفِي الْمِنَحِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ فَاسِقًا مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُعْتَمَدِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَالَى عَلَيْهِ سُنُونَ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَغِيرَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَلَا يَصِيرُ فَاسِقًا بِارْتِكَابِهَا مَرَّةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَلَيْهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الِاحْتِيَاطِ ظَنِّيٌّ وَلَوْ حَجَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ الْإِثْمُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَلَوْ حَجَّ الْفَقِيرُ ثُمَّ اسْتَغْنَى لَمْ يَحُجَّ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَوْضِعِ الْأَدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَالَ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَحُجُّ ثَانِيًا.

.شروط الحج:

(بِشَرْطِ) مُتَعَلِّقٍ بِفُرِضَ (إسْلَامٍ وَحُرِّيَّةٍ وَعَقْلٍ وَبُلُوغٍ) فَلَا يُفْرَضُ عَلَى الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْحَجِّ وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ وَكَذَا الْمَجْنُونُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ كَالصَّبِيِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَذَهَبَ الدَّبُوسِيُّ إلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْعِبَادَاتِ احْتِيَاطًا.
(وَصِحَّةٍ) الْمُرَادُ مِنْ الصِّحَّةِ الَّتِي اُشْتُرِطَتْ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ سَلَامَةُ الْبَدَنِ عَنْ الْآفَاتِ الْمَانِعَةِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي سَفَرِ الْحَجِّ فَلَا يُفْرَضُ عَلَى مُقْعَدٍ وَزَمِنٍ وَمَفْلُوجٍ وَمَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي لَا يُثَبِّتُ نَفْسَهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا وَعِنْدَهُمَا.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يُفْرَضُ فَيَلْزَمُ الْإِحْجَاجُ بِالْمَالِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الصِّحَّةَ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمَرِيضِ الْإِيصَاءُ لَا عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ.
(وَقُدْرَةِ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ) وَهُمَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ خِلَافَهُ وَمُرَادُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأُصُولِ قَالُوا هُمَا مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ كَمَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ.
الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ أَنْ يَمْلِكَ مَا يَفِيَ النَّفَقَةَ وَحَوَائِجَ السَّفَرِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَالْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا يَفِي تَمَلُّكَهَا أَوْ إجَارَتَهَا وَفِي صُورَةِ الْإِبَاحَةِ لَا قُدْرَةَ إذْ لِلْمُبِيحِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَزُولُ التَّمَكُّنُ وَلَوْ كَانَ الْمُبِيحُ مَنْ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ كَالْقَرِيبِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَفِيهِ قَوْلَانِ وَعِنْدَ مَالِكٍ: لَا يَجِبُ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ بِأَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِالْكَسْبِ وَإِذَا اعْتَادَ الْمَشْيَ، وَالرَّاحِلَةُ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ الْبَعِيرُ الْقَوِيُّ عَلَى الْأَسْفَارِ وَالْأَحْمَالِ التَّامُّ الْخَلْقِ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ الرَّاحِلَةِ مِنْ بَغْلٍ وَحِمَارٍ لَا يَجِبُ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْكَرَاهَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مَا يُبَلِّغُهُ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى رَأْسِ زَامِلَةٍ وَهِيَ الْبَعِيرُ الَّذِي يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْمُسَافِرُ طَعَامَهُ وَمَتَاعَهُ وَأَمْكَنَهُ السَّفَرُ عَلَيْهِ وَجَبَ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ مُتَرَفِّهًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى مَا يُكْتَرَى بِهِ شِقُّ مَحْمِلٍ أَيْ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ لِلْمَحْمِلِ جَانِبَيْنِ وَيَكْفِي لِلرَّاكِبِ أَحَدُ جَانِبَيْهِ وَالْمَحْمِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ الثَّانِي أَوْ الْعَكْسِ الْهَوْدَجُ الْكَبِيرُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ عَقَبَةً أَيْ مَا يَتَعَاقَبَانِ عَلَيْهِ فِي الرُّكُوبِ فَرْسَخًا فَرْسَخًا أَوْ مَنْزِلًا مَنْزِلًا فَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ وَهُوَ شَرْطٌ وَلَوْ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ.
وَاشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ عَامٌّ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَأَمَّا فِيهِ فَلَا وَمَنْ حَوْلَهَا كَأَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ أَصْلًا فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ الْحَجُّ رَاكِبًا أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ مَاشِيًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ لَكِنْ لَوْ حَجّ بِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تَمْنَعُ الطَّاعَاتِ فَإِذَا أَتَى بِهَا لَا يُقَالُ إنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ شَرْطٌ عِنْدَ خُرُوجِ قَافِلَةِ بَلَدِهِ فَإِنْ مَلَكَهَا قَبْلَهُ فَلَا يَأْثَمُ بِصَرْفِهِ إلَى حَيْثُ شَاءَ.
(وَنَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لِزَادٍ وَلَوْ تَرَكَهُ لَكَانَ أَخْصَرَ (فَضَلَتْ) حَالٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ (عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ) كَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ وَكَالْكُتُبِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَسْكَنِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَلَا يَجِبُ بَيْعُهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِدُونِهِ بِبَعْضِ ثَمَنِهِ وَالْحَجُّ بِالْبَاقِي لَكِنْ إنْ فَعَلَ وَحَجَّ كَانَ أَفْضَلَ (وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ) بِالْكَسْرِ أَيْ مَنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهُ كَالزَّوْجَاتِ وَالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْخَدَمِ (إلَى حِينِ عَوْدِهِ) إلَى وَطَنِهِ مِنْ ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ نَفَقَةِ يَوْمٍ بَعْدَ الْعَوْدِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ عَوْدِهِ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْكَسْبُ عَقِيبَ الْقُدُومِ فَيُقَدَّرُ ذَلِكَ بِشَهْرٍ (مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ وَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ السَّلَامَةِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ بَحْرًا لَا يَجِبُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ نَهْرًا كَسَيْحُونٍ وَالْفُرَاتِ يَجِبُ.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَحْرِ السَّلَامَةَ فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطُ الْوُجُوبِ.
وَفِي الْإِصْلَاحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ.
(وَ) مَعَ وُجُودِ (زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) الَّذِي حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا أَبَدًا بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهَارَةٍ مُسْلِمًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَلَا يَنْضَمُّ الزَّوْجَ وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ (لِلْمَرْأَةِ) الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ بَعْدَمَا كَانَتْ خَالِيَةً عَنْ الْعِدَّةِ أَيَّةَ عِدَّةٍ كَانَتْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطُ الْوُجُوبِ.
وَفِي الْإِصْلَاحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَيْ الْمَحْرَمَ أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ حَتَّى يَجِبَ الْإِيصَاءُ بِهِ (إنْ كَانَ بَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ مَكَانِ الْمَرْأَةِ.
(وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةَ سَفَرٍ) أَيْ مَسَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا يَجُوزُ بِلَا مَحْرَمٍ.
(وَلَا تَحُجُّ) الْمَرْأَةُ (بِلَا أَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ تَحُجُّ مَعَ النِّسَاءِ الثِّقَاتِ لِحُصُولِ الْأَمْنِ بِالْمُرَافَقَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ»؛ وَلِأَنَّ بِدُونِ الْمَحْرَمِ يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَتُزَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا فَلَا يُفِيدُ كَوْنُ النِّسَاءِ الثِّقَاتِ مَعَهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ مُعَلَّلٌ بِدَفْعِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَالزَّوْجُ أَدْفَعُ لَهُ فَيُلْحَقُ بِالْمَحْرَمِ دَلَالَةً وَلَا خَوْفَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الْفَرَائِدِ وَغَيْرِهِ فَلْيُطَالَعْ (وَشَرْطُ كَوْنِ الْمَحْرَمِ عَاقِلًا بَالِغًا)؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ عَاجِزَانِ عَنْ الصِّيَانَةِ (غَيْرَ مَجُوسِيٍّ)؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِلُّ نِكَاحَهَا.
(وَفَاسِقٍ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَمِينٍ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْخِزَانَةِ (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ الْمَحْرَمِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ يُرَافِقْهَا لَا بِنَفَقَتِهَا وَيَجِبُ التَّزَوُّجُ عَلَيْهَا لِتَحُجَّ مَعَهُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا تَجِبُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَحْرَمُ بِنَفَقَتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّزَوُّجُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ ثُمَّ يُشْتَرَطُ أَنْ تَمْلِكَ قَدْرَ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مَعَهَا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهَا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى الْخُرُوجِ فَإِذَا تَبَرَّعَ بِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ تَبَرُّعُهُ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ إلَى أَدَاءِ الْحَجِّ إلَّا بِهِ فَنَفَقَتُهُ أَيْضًا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي أَدَائِهِ شَرْطَ الْوُجُوبِ أَوْ شَرْطَ الْأَدَاءِ انْتَهَى، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ وَعَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ.
تَدَبَّرْ (وَتَحُجُّ) الْمَرْأَةُ (مَعَهُ) أَيْ الْمَحْرَمِ (حَجَّةَ الْإِسْلَامِ) أَيْ الْحَجَّ الْفَرْضَ (بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا) وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ مَنْعُهَا عَنْ كُلِّ حَجٍّ سِوَاهَا كَمَا قَالَ رَشِيدُ الدِّينِ فِي الْمَنَاسِكِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ مَنْعُهَا مُطْلَقًا.
(فَلَوْ أَحْرَمَ) مِنْ مِيقَاتٍ هَذَا تَفْرِيعُ مَا مَرَّ مِنْ الشَّرَائِطِ (صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ فَبَلَغَ) الصَّبِيُّ (أَوْ عَتَقَ) الْعَبْدُ (فَمَضَى) كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إحْرَامِهِ وَأَتَمَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ (لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِهِ)؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ انْعَقَدَ لِلنَّفْلِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَمَّا مَا قِيلَ وَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ عَاقِلٌ فَبَلَغَ وَقَيَّدْنَا بِالْعَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ فَأَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا وَقَدْ أَخَلَّ بِهَذَا الْقَيْدِ فِي الْكَنْزِ فَلَيْسَ بِسَدِيدٍ.
تَدَبَّرْ (فَإِنْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ) بَعْدَ الْبُلُوغِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفَ (إحْرَامَهُ) بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ وَيُجَدِّدَ التَّلْبِيَةَ بِالْحَجِّ (لِلْفَرْضِ صَحَّ) ذَلِكَ التَّجْدِيدُ؛ لِأَنَّهُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ إحْرَامُهُ لَازِمًا فَلَوْ رَجَعَ إلَى تَجْدِيدِ الْإِحْرَامِ أَدَّى فَرْضَهُ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ) أَيْ لَا يَصِحُّ تَجْدِيدُ إحْرَامِ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّهُ لِأَهْلِيَّةِ الْإِحْرَامِ كَانَ إحْرَامُهُ لَازِمًا فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْإِتْمَامِ.
وَفِي الْفَتْحِ وَالْكَافِرُ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ فَلَوْ حَجَّ كَافِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ فَأَفَاقَ وَأَسْلَمَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ أَجْزَأَهُمَا.

.فَرْضُ الْحَجِّ :

(وَفَرْضُهُ) أَيْ فَرْضُ الْحَجِّ الْأَعَمُّ مِنْ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (الْإِحْرَامُ) وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ النِّيَّةِ فِي الْقَلْبِ وَالتَّلْبِيَةِ بِاللِّسَانِ وَفَضَّلَ بَعْضُهُمْ ذِكْرَ النِّيَّةِ بِاللِّسَانِ أَيْضًا مَعَ مُلَاحَظَةِ الْقَلْبِ إيَّاهَا (وَهُوَ شَرْطٌ) ابْتِدَاءً حَتَّى جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَلَهُ حُكْمُ الرُّكْنِ انْتِهَاءً حَتَّى لَمْ يَجُزْ لِفَائِتِ الْحَجِّ اسْتِدَامَتُهُ لِيَقْضِيَ بِهِ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ (وَالْوُقُوفُ) أَيْ الْحُضُورُ وَلَوْ سَاعَةً مُنْذُ زَوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ (بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ) أَيْ الدَّوَرَانُ حَوْلَ الْبَيْتِ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ (وَهُمَا رُكْنَانِ) لِلْحَجِّ اتِّفَاقًا وَيَقُومُ أَكْثَرُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ الرُّكْنِ.

.وَاجِبُ الْحَجِّ:

(وَوَاجِبُهُ) أَيْ الْحَجِّ (الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ) وَيُسَمَّى جَمْعًا أَيْضًا أَيْ الْوُقُوفُ بِجَمْعٍ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ فَجْرِ النَّحْرِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِفِعْلِ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ يَجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، أَوْ لِأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اجْتَمَعَ مَعَ حَوَّاءَ فِيهَا وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ رُكْنٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَفِي الْآخَرِ هُوَ سُنَّةٌ (وَالسَّعْيُ) أَيْ سَبْعَ مَرَّاتٍ (بَيْنَ) أَعْلَى (الصَّفَا) بِالْقَصْرِ.
(وَ) أَعْلَى (الْمَرْوَةِ) فَيُفِيدُ أَنَّ صُعُودَهُمَا وَاجِبٌ لِجَوَازِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَكِنْ فِي الْكَلَامِ إشْكَالٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا الْمَشْيُ وَالثَّانِي أَنَّ السَّعْيَ مَسْنُونٌ فِي بَطْنِ الْوَادِي لَا غَيْرُ كَمَا سَيَجِيءُ وَهُمَا جَبَلَانِ شَرْقِيَّانِ، وَالْأَوَّلُ مَائِلٌ إلَى جَنُوبِ الْبَيْتِ وَالثَّانِي إلَى شِمَالِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَسَبْعُمِائَةِ ذِرَاعٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رُكْنٌ (وَرَمْيُ الْجِمَارِ) أَيْ رَمْيُ سَبْعِينَ جَمْرَةً فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ لِلْآفَاقِيِّ وَغَيْرِهِ وَهِيَ عِدَّةُ حَصَيَاتٍ اجْتَمَعَتْ فِي الْمَنَاسِكِ وَسُمِّيَتْ جَمْرَةً لِتَجَمُّرِهَا هُنَاكَ وَإِضَافَةُ الرَّمْيِ إلَى الْجِمَارِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَالْمَعْنَى رَمْيُ الْحَصَاةِ إلَى الْجِمَارِ وَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ اتِّبَاعُ سُنَّةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ جَاءَ الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُهُ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَرْمِي الْأَحْجَارَ طَرْدًا لَهُ فَكَانَ نُسُكًا (وَطَوَافُ الصَّدَرِ) بِالتَّحْرِيكِ.
وَفِي النُّتَفِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَعْنَى طَوَافُ الْبَيْتِ عِنْدَ الرُّجُوعِ إلَى مَكَانِهِ (لِلْآفَاقِيِّ) أَيْ الْخَارِجِ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَكِّيِّ إذْ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنِّي أُحِبُّهُ لِلْمَكِّيِّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْآفَاقُ النَّوَاحِي وَالْوَاحِدُ آفَقُ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ آفَقِيٌّ، وَأَمَّا الْآفَاقِيُّ فَمُنْكَرٌ فَإِنَّ الْجَمْعَ إذَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَى وَاحِدِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْجَمْعَ بِالِاشْتِهَارِ وَغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ يَأْخُذُ حُكْمَ التَّسْمِيَةِ بِهِ فَيَجُوزُ النِّسْبَةُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْآفَاقَ لَيْسَ بِجَمْعٍ حَتَّى وَجَبَ رَدُّهُ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْوَاحِدِ فَعَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْأَفْعَالَ لِلْوَاحِدِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ هُوَ إنْعَامٌ كَمَا فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ تَدَبَّرْ (وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ) هُوَ أَخْذُ رُءُوسِ الشَّعْرِ بِقَدْرِ أُنْمُلَةٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ عَنْ الْإِحْرَامِ إلَّا أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ وَقِيلَ: إنَّهُ سُنَّةٌ (وَكُلُّ مَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ) سَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْكُلِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ (سُنَنٌ) تَارِكُهَا مُسِيءٌ (وَآدَابٌ) تَارِكُهَا غَيْرُ مُسِيءٍ وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

.أَشْهُرِ الْحَجِّ:

(وَأَشْهُرُهُ) أَيْ أَشْهُرِ الْحَجِّ الَّتِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِ إلَّا فِيهَا (شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَالسُّكُونِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا (وَالْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا لَكِنْ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْفَتْحُ لَمْ يُسْمَعْ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُبَيْرٍ فَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ مِنْ الْجَمْعِ شَهْرَانِ وَبَعْضُ شَهْرٍ مَجَازًا حَيْثُ جَعَلَ بَعْضَ الشَّهْرِ شَهْرًا وَمَا فِي الْمِنَحِ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَا وَرَاءَ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} فَلَا سُؤَالَ فِيهِ إذًا وَإِنَّمَا يَكُونُ مَوْضُوعًا لِلسُّؤَالِ لَوْ قِيلَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ كَذَا فِي الْكَشَّافِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ فَإِنَّهُ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لَا يَلِيقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ (الْإِحْرَامُ لَهُ) أَيْ الْحَجِّ (قَبْلَهَا) أَيْ الْأَشْهُرِ سَوَاءٌ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ أَوْ لَا بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ فِي الْأَشْهُرِ وَهُوَ الْحَقُّ.
وَفِي الْمُحِيطِ إنْ أَمِنَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورِ الْإِحْرَامِ لَا يُكْرَهُ.
وَفِي النَّظْمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ لِلشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً.

.حكم العمرة:

(وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ لَا فَرْضَ عَيْنٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ قُلْت مَا جَوَابُك عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَهُوَ يُفِيدُ الِافْتِرَاضَ قُلْت: الْإِتْمَامُ يَكُونُ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ وَكَلَامُنَا فِيمَا قَبْلَ الشُّرُوعِ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَنْ أَتَى بِهَا مَرَّةً فَقَدْ أَقَامَ السُّنَّةَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ غَيْرَ مَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا فِيهِ إلَّا أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ وَجَازَتْ فِي كُلِّ السَّنَةِ لَكِنْ كُرِهَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةَ بَعْدَهَا.

.مواقيت الحج:

(وَالْمَوَاقِيتُ) جَمْعُ الْمِيقَاتِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُرَادُ هُنَا هُوَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ أَيْ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهَا إلَّا مُحْرِمًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَهِيَ ثَلَاثٌ مِيقَاتُ الْآفَاقِيِّ وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْحِلِّ وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْحَرَمِ وَالْمُرَادُ هُنَا هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْغَايَةِ لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَافِرٌ يُرِيدُ الْحَجَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَكَذَا الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ وَكَذَلِكَ الْحَطَّابُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا جَاوَزُوا الْمِيقَاتَ كَانَ لَهُمْ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ذَكَرَهُ فِي الْحَقَائِقِ فَالْعُمُومُ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهَا إلَّا مُحْرِمًا لَيْسَ بِذَاكَ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَّتَهَا لِأَهْلِ الْآفَاقِ قَبْلَ الْفُتُوحِ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سَتُفْتَحُ ثُمَّ قِيلَ مِيقَاتُ الْحَجِّ نَوْعَانِ: زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ أَمَّا الزَّمَانِيُّ فَأَشْهُرُ الْحَجِّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا وَأَمَّا الْمَكَانِيُّ فَخَمْسَةٌ الْأَوَّلُ (لِلْمَدَنِيِّينَ) وَالْمَدَنِيُّ كَالْمَدِينِيِّ مَنْسُوبٌ إلَى مَدِينَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (ذُو الْحُلَيْفَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمُصَغَّرِ مَكَانٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَعَلَى ثَلَثِمِائَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ فَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ إمَّا لِعِظَمِ أُجُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِمَّا لِلرِّفْقِ بِسَائِرِ الْآفَاقِ فَإِنَّ الْمَدِينَةَ أَقْرَبُ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِهَا (وَلِلشَّامِيِّينَ) وَأَهْلِ مِصْرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ (جُحْفَةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ سُمِّيَ بِهَا؛ لِأَنَّ قَوْمًا نَزَلُوا فِيهَا فَأَجْحَفَهُمْ السَّيْلُ أَيْ اسْتَأْصَلَهُمْ وَاسْمُهَا فِي الْأَصْلِ مَهْيَعَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ وَعَلَى ثَمَانِيَ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالشَّمَالِ مِنْ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ تَبُوكَ قِيلَ إنَّ الْجُحْفَةَ قَدْ ذَهَبَتْ أَعْلَامُهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا رُسُومٌ خَفِيَّةٌ فَلِذَا تَرَكَهَا النَّاسُ الْآنَ إلَى رَابِغَ بِالرَّاءِ وَالْهَمْزَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ بِرَابِضَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِنِصْفِ مَرْحَلَةٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ.
(وَ) الثَّالِثُ (لِلْعِرَاقِيِّينَ) وَالْخُرَاسَانِيُّ وَأَهْلِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ (ذَاتُ عِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَرْضٌ سَبْخَةٌ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ وَقِيلَ مَرْحَلَتَانِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا جَبَلًا صَغِيرًا يُسَمَّى بِالْعِرْقِ.
(وَ) الرَّابِعُ (لِلنَّجْدِيِّينَ) وَمَنْ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ (قَرْنٌ) بِسُكُونِ الرَّاءِ جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى عَرَفَاتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ مَرْحَلَتَيْنِ وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ قَرْنَ الْمَنَازِلِ قَالَ قَائِلُهُمْ أَلَمْ يَسْأَلْ الرَّبْعَ أَنْ يَنْطِقَا بِقَرْنِ الْمَنَازِلِ قَدْ أَخْلَفَا وَزَعَمَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ بِالتَّحْرِيكِ فَأَخْطَأَ وَأَمَّا أُوَيْسُ الْقَرَنِيُّ فَنِسْبَتُهُ إلَى بَنِي قَرَنٍ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى هَذَا الْمِيقَاتِ فَقَدْ سَهَا.
(وَ) الْخَامِسُ (لِلْيَمَنِيِّينَ) وَالتِّهَامِيِّ وَغَيْرِهِمَا (يَلَمْلَمُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَاللَّامَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَكَانٌ جَنُوبِيٌّ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ بِمَكَّةَ وَأَصْلُهُ أَلَمْلَمُ بِالْهَمْزَةِ وَحُكِيَ يَرَمْرَم (لِأَهْلِهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتِ لِأَهْلِ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ.
(وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا) مِنْ خَارِجِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ لَا يَمُرُّ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ قَالُوا عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَاذَى آخِرَهَا وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُحَاذِي فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ (لِمَنْ قَصَدَ) مِنْ الْآفَاقِيِّ وَالْحِلِّيِّ وَالْحَرَمِيِّ وَالْمَكِّيِّ الْخَارِجِينَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ خَصَّصَ لُزُومَ الْإِحْرَامِ بِمَنْ قَصَدَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةَ فَقَطْ قَيَّدَ بِقَصْدِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ كَمَا سَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (دُخُولَ مَكَّةَ) لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ التَّوَطُّنِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ دَخَلَ بِلَا إحْرَامٍ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَكَذَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَلَوْ قَالَ دُخُولَ الْحَرَم لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي وُجُوبِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ قَصْدُ دُخُولِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ تَدَبَّرْ.
(وَجَازَ التَّقْدِيمُ) أَيْ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بَعْدَ دُخُولِ الْأَشْهُرِ (وَهُوَ أَفْضَلُ) إذَا أَمِنَ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورَاتِ وَإِلَّا فَالتَّأْخِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ لِمَا أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ لَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ وَتَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْأَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى الْمِيقَاتِ بِطَرِيقِ التَّرَخُّصِ.
(وَيَحِلُّ لِمَنْ هُوَ دَاخِلُهَا) الْمَوَاقِيتِ (دُخُولُ مَكَّةَ) لِحَاجَةٍ لَا لِلنُّسُكِ (غَيْرَ مُحْرِمٍ)؛ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَرَجًا؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ دُخُولُهُ لِحَوَائِجِهِ فَصَارَ كَالْمَكِّيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ لِلْحَجِّ (وَوَقْتُهُ) أَيْ وَقْتُ الْإِحْرَامِ لِأَهْلِ دَاخِلِهَا لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَة (الْحِلُّ) بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَالْحَرَمِ لَا الْحِلُّ الَّذِي هُوَ خَارِجُ الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ حَدٌّ فِي حَقِّهِ كَالْمِيقَاتِ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ إذَا أَرَادَ أَحَدَهُمَا إلَّا مُحْرِمًا (وَلِلْمَكِّيِّ) أَيْ الْمِيقَاتُ لِمَنْ اسْتَقَرَّ بِمَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَلَوْ قَالَ وَلِمَنْ بِالْحَرَمِ لَكَانَ أَوْلَى لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ هَذَا الْمِيقَاتِ بِأَهْلِ مَكَّةَ (فِي الْحَجّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ) قَالُوا فِي الْعُمْرَةِ التَّنْعِيمُ أَفْضَلُ، قِيلَ مِقْدَارُ الْحَرَمِ مِنْ جَانِبِ الْمَشْرِقِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَمِنْ الشِّمَالِ اثْنَا عَشَرَ لَكِنَّ الْأَصَحَّ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ تَقْرِيبًا أَوْ أَرْبَعَةٌ وَمِنْ الْمَغْرِبِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَمِنْ الْجَنُوبِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَحَدَّدَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ فَقَالَ وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا شِئْت إتْقَانَهُ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَةٌ.

.فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْإِحْرَامِ:

هُوَ مَصْدَرُ أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُهْتَكُ وَالْمُرَادُ الدُّخُولُ فِي الْحُرْمَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا (وَإِذَا أَرَادَ) الْحَاجُّ أَوْ الْمُعْتَمِرُ (الْإِحْرَامَ نُدِبَ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَقُصَّ شَارِبَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ) وَيَنْتِفَ إبْطَيْهِ هُوَ الْمُتَوَارَثُ (ثُمَّ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْتَسِلَ) لِتَحْصِيلِ النَّظَافَةِ وَإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَلِهَذَا لَا يَنُوبُ التَّيَمُّمُ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّهُ مُلَوَّثٌ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ (وَهُوَ) أَيْ الِاغْتِسَالُ (أَفْضَلُ)؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ تَنْظِيفًا (وَيَلْبَسَ إزَارًا) بِلَا عَقْدِ حَبْلٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مِنْ وَسَطِ الْإِنْسَانِ (وَرِدَاءً) مِنْ الْكَتِفِ فَيَسْتُرَ بِهِ الْكَتِفَ وَيَشُدَّهُ فَوْقَ السُّرَّةِ، وَإِنْ غَرَزَ طَرَفَيْهِ فِي إزَارِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ هَذَا إذَا وَجَدَ وَإِلَّا فَيَشُقَّ سَرَاوِيلَهُ وَيَتَّزِرَ بِهِ أَوْ قَمِيصَهُ وَيَتَرَدَّى بِهِ (جَدِيدَيْنِ أَبْيَضَيْنِ وَهُوَ) أَيْ الْجَدِيدُ الْأَبْيَضُ (أَفْضَلُ) لِقُرْبِهِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَفُضِّلَ الْأَبْيَضُ.
(وَلَوْ كَانَا غَسِيلَيْنِ) طَاهِرَيْنِ (أَوْ لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا وَاحِدًا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ السُّنَّةُ (وَيَتَطَيَّبَ) أَيْ يُسَنُّ لَهُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ إنْ وَجَدَ قَيَّدْنَا بِالْبَدَنِ إذْ لَا يَجُوزُ الطِّيبُ فِي الثَّوْبِ بِمَا يَبْقَى أَثَرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي إطْلَاقِهِ إشَارَةٌ إلَى شُمُولِ مَا يَبْقَى أَثَرُهُ كَالْمِسْكِ وَمَا لَا يَبْقَى خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِ (وَيُصَلِّي) فِي مَوْضِعِ الْإِحْرَامِ (رَكْعَتَيْنِ) قَرَأَ فِيهِمَا مَا شَاءَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ تَبَرُّكًا بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَا يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَا يَقْضِي (فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا) مِنْ الْإِفْرَادِ (بِالْحَجِّ يَقُولَ عَقِيبَهُمَا) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا بِجَنَانِهِ (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي)؛ لِأَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ إلَّا بِتَيْسِيرِك (وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ حَبِيبِك وَخَلِيلِكَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيْثُ قَالَ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
(وَإِنْ نَوَى بِقَلْبِهِ) لَا بِلِسَانِهِ (أَجْزَأَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَلَوْ نَوَى مُطْلَقَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ، وَيُشْتَرَطُ لِلْأَخْرَسِ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ مَعَ النِّيَّةِ.
وَفِي الْمُحِيطِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ مُسْتَحَبٌّ (ثُمَّ يُلَبِّي) عَقِيبَ صَلَاتِهِ وَهِيَ أَفْضَلُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُلَبِّيَ حِينَمَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْبَيْدَاءِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي أَوَّلِ تَلْبِيَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَبَّى دُبُرَ صَلَاتِهِ» وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا «أَنَّهُ لَبَّى حِينَمَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ» وَجَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ «لَبَّى حِينَمَا اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ» وَأَصْحَابُنَا أَخَذُوا بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَرِوَايَتُهُمَا مُحْتَمِلَةٌ لِجَوَازِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمْ يَشْهَدْ أَوَّلَ تَلْبِيَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّمَا شَهِدَ تَلْبِيَتَهُ حَالَ اسْتِوَائِهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَظَنَّ ذَلِكَ أَوَّلَ تَلْبِيَتِهِ وَكَذَلِكَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَيَقُولَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) وَالتَّثْنِيَةُ لِلتَّكْرِيرِ وَانْتِصَابُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ وَرَدَّ الْمَزِيدَ إلَى الثُّلَاثِيِّ ثُمَّ أُضِيفَ إلَى ضَمِيرِ الْخِطَابِ وَمَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك إلْبَابًا بَعْدَ إلْبَابٍ أَوْ لُزُومًا لِطَاعَتِك بَعْدَ لُزُومٍ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا قَامَ بِهِ وَهُوَ إجَابَةٌ لِدَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَيْهِ فَدَعَاهُمْ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ فَأَسْمَعَ اللَّهُ صَوْتَهُ النَّاسَ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ فَمَنْ وَافَقَ بِالتَّلْبِيَةِ مَرَّةً فَقَدْ حَجَّ مَرَّةً وَمَنْ زَادَ فَزَادَ وَمَنْ لَمْ يُوَافِقْ بِهَا أَصْلًا لَمْ يَحُجَّ أَصْلًا وَقِيلَ: الدَّاعِي هُوَ اللَّهُ أَوْ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ لِأَنَّهُ دَعَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَى الْحَجِّ (لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك) اسْتِئْنَافٌ (لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ لَا بِفَتْحِهَا لِيَكُونَ ابْتِدَاءً لَا بِنَاءً وَبِالْفَتْحَةِ صِفَةٌ لِلْأَوَّلِ فَكَانَ الْمَعْنَى أُثْنِي عَلَيْك بِهَذَا الثَّنَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك وَلَا كَذَلِكَ إذَا كُسِرَتْ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِئْنَافًا بِمَعْنَى التَّعْلِيلِ كَأَنَّهُ قِيلَ: لِمَ تَقُولُ لَبَّيْكَ ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ وَأَرَادَ بِالصِّفَةِ الْمُتَعَلِّقَ بِالْغَيْرِ لَا النَّعْتَ النَّحْوِيَّ (وَالنِّعْمَةَ لَك) خَبَرُ إنَّ أَوْ مُخْبِرُ الْمُبْتَدَأِ تَقْدِيرُهُ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ مُثْبَتَانِ لَكَ (وَالْمُلْكَ) كَالنِّعْمَةِ (لَا شَرِيكَ لَكَ) اسْتِئْنَافٌ (وَلَا يَنْقُصَ مِنْهَا) أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؛ لِأَنَّهَا مَأْثُورَةٌ (وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ) مِثْلَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك وَالرُّغُبَا إلَيْك إلَهَ الْخَلْقِ لَبَّيْكَ غَفَّارَ الذُّنُوبِ لَبَّيْكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّلْبِيَةِ الثَّنَاءُ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةٍ (فَإِذَا لَبَّى) لَمْ يَعْتَبِرْ مَفْهُومَ الْمُخَالِفِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ اعْتِبَارِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْفِقْهِيَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (نَاوِيًا) لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (فَقَدْ أَحْرَمَ) فَلَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّلْبِيَةِ مَا لَمْ يَأْتِ بِالنِّيَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ وَقَدْ صَحَّ بِالنِّيَّةِ السَّابِقَةِ لَكِنَّ الِاقْتِرَانَ بِالتَّلْبِيَةِ أَفْضَلُ (فَلْيَتَّقِ) أَيْ لِيَجْتَنِبَ الْمُحْرِمُ (الرَّفَثَ) وَهُوَ الْجِمَاعُ وَقِيلَ: ذِكْرُ الْجِمَاعِ وَدَوَاعِيهِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِنَّ فَلَا بَأْسَ وَقِيلَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ (وَالْفُسُوقَ) وَهُوَ الْمَعَاصِي وَهُوَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِحْرَامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَكَيْفَ فِي الْإِحْرَامِ، (وَالْجِدَالَ) وَهُوَ الْخِصَامُ مَعَ الرُّفْقَةِ وَالْخَدَمِ وَالْمُكَارِينَ وَمَا قِيلَ: إنَّهُ مُجَادَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ هَا هُنَا (وَقَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ (وَالْإِشَارَةَ إلَيْهِ) أَيْ أَنْ يُشِيرَ إلَى الصَّيْدِ بِالْيَدِ وَيَقْتَضِي الْحُضُورَ (وَالدَّلَالَةَ عَلَيْهِ) أَيْ أَنْ يَقُولَ إنَّ فِي مَكَانِ كَذَا صَيْدًا وَتَقْتَضِي الْغَيْبَةَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي تَخْصِيصِ الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ وَالدَّلَالَةِ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ.
تَأَمَّلْ (وَقَتْلَ الْقَمْلِ)؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الشَّعَثِ فَيَكُونُ ارْتِفَاقًا (وَالتَّطَيُّبَ) وَالدُّهْنَ وَالتَّخَضُّبَ بِالْحِنَّاءِ وَالرَّيَاحِينِ وَالثِّمَارِ الطَّيِّبَةِ (وَقَلْمَ) أَيْ قَطْعَ (الظُّفْرِ) بِالضَّمِّ أَوْ بِضَمَّتَيْنِ وَبِالْكَسْرِ شَاذٌّ سَوَاءٌ قَلَمَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ قَلَمَ ظُفْرَ غَيْرِهِ إلَّا إذَا انْكَسَرَ بِحَيْثُ لَا يَنْمُو فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَحَلْقَ شَعْرِ رَأْسِهِ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا (أَوْ بَدَنِهِ) وَالْمُرَادُ بِحَلْقِ بَدَنِهِ إزَالَةُ شَعْرِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْ الْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالنَّتْفِ وَالتَّنْوِيرِ وَالْإِحْرَاقِ مِنْ أَيِّ مَحْمِلٍ كَانَ مِنْ الْجَسَدِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَمْكِينًا وَلَوْ قَالَ أَخْذَ الشَّعْرِ لَشَمِلَ الْجَمِيعَ (وَقَصَّ لِحْيَتِهِ) أَيْ قَطْعَهَا كُلًّا أَوْ بَعْضًا (وَسَتْرَ رَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ سَتْرُ الْوَجْهِ (وَغَسْلَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ بِالْخِطْمِيِّ)؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ طِيبٍ فَيَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ فَعَلَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَكِنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأُخْرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ (وَلُبْسَ قَمِيصٍ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَبَاءٍ) لُبْسًا مُعْتَادًا كَمَا إذَا أَدْخَلَ الْيَدَ فِي كُمِّ الْقَبَاءِ وَالْقَمِيصِ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ أَمَّا إذَا أَلْقَى عَلَى كَتِفَيْهِ قَبَاءً فَجَازَ (أَوْ عِمَامَةً أَوْ قَلَنْسُوَةً) لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ سَتْرِ الرَّأْسِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِمَا (أَوْ خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَقْطَعَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ) أَعْنِي الْمَفْصِلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَسَطَ الْقَدَمَيْنِ عِنْدَ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ.
(وَ) لِيَجْتَنِبَ (لُبْسَ ثَوْبٍ صُبِغَ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ أَوْ عُصْفُرٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمُعَصْفَرِ (إلَّا مَا غَسَلَ حَتَّى لَا يَنْفُضَ) وَاخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي شَرْحِهِ فَقِيلَ لَا يَفُوحُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ، وَالثَّانِي غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطِّيبِ لَا لِلتَّنَاثُرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَصْبُوغًا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَلَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُمْنَعُ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَلُبْسَ ثَوْبٍ صُبِغَ بِمَا لَهُ طِيبٌ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى (وَيَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْمُحْرِمِ (الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ) بِحَيْثُ لَا يُزِيلُ الْوَسَخَ وَلَوْ قَالَ الِاسْتِحْمَامُ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَخْصَرَ.
(وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمِلِ)؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اغْتَسَلَ وَأَلْقَى عَلَى شَجَرَةٍ ثَوْبًا وَاسْتَظَلَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ لَكِنْ لَمْ يُصِبْ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ فَلَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا كُرِهَ (وَشَدُّ الْهِمْيَانِ) بِالْكَسْرِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَيُشَدُّ (فِي وَسَطِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ وَكَذَا يَجُوزُ السَّيْفُ وَالسِّلَاحُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالتَّخَتُّمُ وَالِاكْتِحَالُ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لَوْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ (وَمُقَاتَلَةُ عَدُوِّهِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ (وَيُكْثِرُ التَّلْبِيَةَ) مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ حَالَ كَوْنِهِ (رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَكَانًا مُرْتَفِعًا (أَوْ هَبَطَ) نَزَلَ.
(وَادِيًا) أَيْ حَضِيضًا وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَسِيلًا فِيهِ الْمَاءُ (أَوْ لَقِيَ رَكْبًا) بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ هُمْ أَصْحَابُ الْإِبِلِ فِي السَّفَرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الدَّوَابِّ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَلَيْسَ بِجَمْعِ رَاكِبٍ كَمَا تَوَهَّمَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرَّكْبَ إخْرَاجًا لِلْكَلَامِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا لِلِاحْتِرَازِ.
(وَ) يُكْثِرُ الْمُحْرِمُ التَّلْبِيَةَ (بِالْأَسْحَارِ) وَلَوْ قَالَ: أَوْ أَسْحَرَ أَيْ دَخَلَ وَقْتَ السَّحَرِ لَكَانَ أَوْلَى وَهُوَ سُدُسُ آخِرِ اللَّيْلِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ فَيُؤْتَى بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَوَقْتِ الِاسْتِيقَاظِ.

.فَصْلٌ: دخول المحرم مكة ليلا أو نهارا:

(فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ) لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكِنَّ النَّهَارَ مُسْتَحَبٌّ (ابْتَدَأَ) مِنْهَا (بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَبِّيًا مُلَاحِظًا جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ مَعَ التَّلَطُّفِ بِالْمُزَاحِمِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» وَمِنْ هُنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْمَسْجِدِ لَا يُنَافِيهِ تَقْدِيمُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُرَادُ مِنْ دُخُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَسْجِدَ عَلَى الْفَوْرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ عِبَارَةِ الرَّاوِي كَمَا دَخَلَ مَكَّةَ الدُّخُولُ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِعَمَلٍ آخَرَ، وَيُقَدِّمُ فِي دُخُولِهِ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتَك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَاغْلِقْ عَنِّي أَبْوَابَ مَعَاصِيكَ وَاجْنُبْنِي الْعَمَلَ بِهَا (فَإِذَا عَايَنَ) الْمُنَاسِبُ بِالْوَاوِ (الْبَيْتَ) الْحَرَامَ الْوَاقِعَ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ هُوَ عَلَمُ اتِّفَاقٍ لِهَذَا الْمَكَانِ الشَّرِيفِ زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي بِتَقْبِيلِ عَتَبَتِهِ الْعَلِيَّةِ بِحُرْمَةِ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَبِحُرْمَةِ جَمِيعِ الزَّائِرِينَ آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ (كَبَّرَ) أَيْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ يَعْنِي مِنْ الْبَيْتِ وَغَيْرِهَا (وَهَلَّلَ) أَيْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي نَوْعِ شِرْكٍ لِعَظَمَتِهِ ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ بِالدُّعَاءِ وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَرْجِعُ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ وَأَدْخِلْنَا بِفَضْلِك دَارَك دَارَ السَّلَامِ تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ اللَّهُمَّ زِدْ بَيْتَك هَذَا تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ وَشَرَّفَهُ وَمَنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَتَشْرِيفًا وَإِيمَانًا ثُمَّ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَجَابُ إذَا رَآهُ، وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ وَمِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ هُنَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَمْ يُوَقِّتْ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ فَإِنَّ التَّعْيِينَ يُذْهِبُ رِقَّةَ الْقَلْبِ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقُولُ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ» (وَابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) الَّذِي كَانَ أَبْيَضَ مُضِيئًا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ثُمَّ صَارَ أَسْوَدَ لِيَحْتَجِبَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَنْ زِينَةِ الْعُقْبَى، وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُ قَدْرُ شِبْرٍ أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَاسْتَقْبَلَهُ) اسْتِحْبَابًا هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ فَإِذَا خَشِيَ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الطَّوَافِ (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ) حَالَ كَوْنِهِ (رَافِعًا يَدَيْهِ كَالصَّلَاةِ) أَيْ كَمَا يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ لَهَا ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَطْنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْحَجَرِ رَافِعًا لَهُمَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ يَسْتَقْبِلُ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَيَسْتَقْبِلَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ عِنْدَ رَفْعِ الْأَيْدِي عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَبِعَرَفَاتٍ وَعِنْدَ الْجَمْرِ (وَيُقَبِّلُهُ) أَيْ الْحَجَرَ بِلَا تَصْوِيتٍ (إنْ اسْتَطَاعَ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ) بِأَحَدٍ (أَوْ يَسْتَلِمُهُ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ غَيْرَ مُؤْذٍ، وَالِاسْتِلَامُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيُقَبِّلَهُ بِفَمِهِ (أَوْ يَمَسُّهُ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بِالْيَدِ غَيْرَ مُؤْذٍ (شَيْئًا) كَائِنًا (فِي يَدِهِ وَيُقَبِّلُهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءَ (أَوْ يُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ الْحَجَرِ حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَقْبِلًا) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بِالْيَدِ غَيْرَ مُؤْذٍ (مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا حَامِدًا لِلَّهِ تَعَالَى مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَيَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ: اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيَّك مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إلَيْك بَسَطْت يَدَيَّ وَفِيمَا عِنْدَك عَظُمَتْ رَغْبَتِي فَاقْبَلْ دَعْوَتِي وَأَقِلْ عَثْرَتِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَجُدْ لِي بِمَغْفِرَتِك وَأَعِذْنِي مِنْ مُعْضِلَاتِ الْفِتَنِ.
(وَيَطُوفُ) طَوَافَ الْقُدُومِ وَيُقَالُ لَهُ: طَوَافُ التَّحِيَّةِ وَطَوَافُ اللِّقَاءِ وَطَوَافُ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلْآفَاقِيِّ لَا لِلْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا يُسَنُّ لِلْجَالِسِ فِيهِ وَيُسَنُّ لِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَدَاخِلِهَا وَخَارِجِهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ حَالَ كَوْنِهِ (آخِذًا) أَيْ شَارِعًا (عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ جَانِبَ يَمِينِهِ أَيْ يَمِينَ نَفْسِهِ حَالَةَ اسْتِقْبَالِهِ الْحَجَرَ وَهُوَ يَمِينُ الطَّائِفِ (مِمَّا يَلِي الْبَابَ) أَيْ بَابَ الْكَعْبَةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ فِي حُكْمِ التَّحَلُّلِ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ الْإِعَادَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ (وَقَدْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ بِأَنْ جَعَلَهُ) أَيْ وَسَطَ الرِّدَاءِ (تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَأَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ) وَيَكُونُ كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا وَالْأَيْسَرُ مُغَطًّى هُوَ تَفْسِيرُ الِاضْطِبَاعِ يُقَالُ: اضْطَبَعَ بِثَوْبِهِ وَقَوْلُهُمْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ سَهْوٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَهُوَ سُنَّةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
(وَيَجْعَلُ طَوَافَهُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ) حَتَّى لَوْ طَافَ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ لَا يَجُوزُ لَكِنْ إنْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّي الْحَطِيمَ لَا يَجُوزُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي كُلٍّ مِنْ الْحُكْمَيْنِ وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ إلَى الشَّامِيِّ فِيهِ مِيزَابٌ عَلَى سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ مِنْ الْبَيْتِ قَرِيبٌ مِنْ رُبُعِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَطْمِ وَهُوَ الْكَسْرُ إمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ تُرِكَ حِينَ رُفِعَ الْبَيْتُ بِالْبِنَاءِ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَإِنَّ الْعَرَبَ طَرَحُوا عَلَيْهِ ثِيَابًا حِينَ طَافُوا بِهَا فَانْحَطَمَ بِالْمُرُورِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَقُولَ إذَا حَاذَى الْمُلْتَزَمَ: وَهُوَ الْجِدَارُ الَّذِي بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ: اللَّهُمَّ إنَّ لَك عَلَيَّ حُقُوقًا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَيَّ وَإِذَا حَاذَى الْبَابَ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا الْبَيْتَ بَيْتُك وَهَذَا الْحَرَمَ حَرَمُك وَهَذَا الْأَمْنَ أَمْنُك، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِينَ بِك أَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ فَأَعِذْنِي مِنْهَا وَإِذَا حَاذَى الْمَقَامَ عَلَى يَمِينِهِ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْعَائِذِ اللَّائِذِ بِك مِنْ النَّارِ حَرِّمْ لُحُومَنَا وَبَشَرَتَنَا عَلَى النَّارِ وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَإِذَا أَتَى مِيزَابَ الرَّحْمَةِ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك إيمَانًا لَا يَزُولُ وَيَقِينًا لَا يَنْفَدُ وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّ عَرْشِك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَرْبَةً لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الشَّامِيَّ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا وَتِجَارَتِي لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ، وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْكُفْرِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَعِنْدَ الْحَجَرِ إذَا بَلَغَهُ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي بِرَحْمَتِك وَأَعُوذُ بِرَبِّ هَذَا الْحَجَرِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) جَمْعُ شَوْطٍ أَيْ طَوَافَهُ مَفْعُولُ يَطُوفُ، لَوْ طَافَ ثَامِنًا عَالِمًا بِأَنَّهُ ثَامِنٌ اخْتَلَفُوا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأُسْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ثَامِنٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا كَالْعِبَادَةِ الْمَظْنُونَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ وَرَاءَ السَّوَارِي وَزَمْزَمَ لَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ (يَرْمُلُ) بِالضَّمِّ أَيْ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ وَيُحَرِّكُ مَنْكِبَيْهِ (فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) جَمْعُ أُولَى (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَشْوَاطِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» وَلَوْ زَجَّهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ إلَى أَنْ يَجِدَ فُرْجَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَّةِ الطَّوَافِ بِخِلَافِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ إلَيْهِ بَدَلٌ لَهُ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إنْ زَحَمُوا يَمْشِيَ حَتَّى يَجِدَ الرَّمَلَ (وَيَمْشِيَ فِي الْبَاقِي عَلَى هِينَتِهِ) بِكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلَا يَرْمُلَ لَكِنْ لَوْ رَمَلَ فِيهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَرَّ (كُلَّمَا مَرَّ بِهِ) أَيْ الْحَجَرِ إنْ اسْتَطَاعَ وَإِلَّا يَسْتَقْبِلُ وَيُكَبِّرُ وَيَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ (وَيَخْتِمُ طَوَافَهُ بِالِاسْتِلَامِ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ ذَلِكَ (وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ) مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ (كُلَّمَا مَرَّ بِهِ حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يُسَنُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَيُقَبِّلُهُ مِثْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالدَّلَائِلُ مِنْ السُّنَّةِ تَشْهَدُ لِمُحَمَّدٍ، وَالسِّرَاجِيَّةُ أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهُ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ وَالشَّامِيَّ.
(ثُمَّ يُصَلِّي) فِي وَقْتٍ يُبَاحُ فِيهِ التَّطَوُّعُ (رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ) أَيْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ مَا ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ وَهُوَ حِجَارَةٌ يَقُومُ عَلَيْهَا عِنْدَ نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ عِنْدَ إتْيَانِ هَاجَرَ وَوَلَدِهِ وَقِيلَ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْحَرَمُ كُلُّهُ (أَوْ حَيْثُ) أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ (تَيَسَّرَ) لَهُ (مِنْ الْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ هَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ وَإِلَّا فَإِنْ صَلَّى فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ جَازَ وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ مَا لَمْ يُرِدْ طَوَافَ أُسْبُوعٍ آخَرَ (وَهُمَا) أَيْ الرَّكْعَتَانِ (وَاجِبَتَانِ) عِنْدَنَا (بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَفِي النَّظْمِ وَالنُّتَفُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ (وَهَذَا طَوَافُ الْقُدُومِ وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ الْقُدُومِ (سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ) وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَأَقْنِعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَنِي وَاخْلُفْ عَلَى كُلِّ غَائِبٍ لِي بِخَيْرٍ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (يَعُودُ) إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.
(وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) كَمَا مَرَّ (وَيَخْرُجُ) عَلَى السَّكِينَةِ بَعْدَمَا شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَيَقُولَ عِنْدَ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِزْقًا وَاسِعًا وَعِلْمًا نَافِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ لَكِنْ الْأَوْلَى مِنْ بَابِ الصَّفَا لِخُرُوجِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُ (إلَى الصَّفَاءِ) وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (فَيَصْعَدُ عَلَيْهِ) حَتَّى يُشَاهِدَ الْبَيْتَ.
(وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ) أَيْ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ وَيَمْكُثُ فِيهِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ لَكِنْ إنْ لَمْ يَمْكُثْ يُجْزِيهِ (وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ) وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ يَقُولُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِأَفْضَلِ الصَّلَوَاتِ وَأَكْمَلِ التَّحِيَّاتِ (رَافِعًا يَدَيْهِ لِلدُّعَاءِ وَيَدْعُو) لِرَبِّهِ بِحَاجَتِهِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ إذَا كَانَتْ نَافِعَةً (بِمَا شَاءَ) وَلَوْ قَالَ وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ (ثُمَّ يَنْحَطُّ) أَيْ يَنْزِلُ مِنْ الصَّفَا قَاصِدًا (نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَيَمْشِي عَلَى مَهَلٍ) أَيْ عَلَى سَكِينَةٍ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَرْكَبَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ وَلَا يُحْمَلُ كَمَا فِي الطَّوَافِ (فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ الْوَادِي بَيْنَ الْمِيلَيْنِ) وَهُمَا عَلَامَتَانِ لِلسَّعْيِ مَنْحُوتَتَانِ عَنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلًا بِهِ (الْأَخْضَرَيْنِ) عَلَى التَّغْلِيبِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا أَحْمَرُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَوْ أَصْفَرُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ (سَعَى سَعْيًا) شَدِيدًا بِقَدْرِ مَا يُقْرَأُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ (حَتَّى يُجَاوِزَهُمَا) وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُ مَشَى عَلَى السَّكِينَةِ فِي جَانِبَيْ الْمِيلَيْنِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَقُولُ فِي مَشْيِهِ: اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي فِي سُنَّتِك وَسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ وَأَعِذْنِي مِنْ مُعْضِلَاتِ الْفِتَنِ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (وَيَفْعَلُ عَلَى الْمَرْوَةِ) إذَا وَصَلَ إلَيْهَا (كَفِعْلِهِ عَلَى الصَّفَا) مِنْ الِاسْتِقْبَالِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِهِمَا (وَهَذَا شَوْطٌ) وَاحِدٌ (فَيَسْعَى بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) يَعْنِي أَنَّ السَّعْيَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ ثُمَّ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ فَيَكُونُ بِدَايَةُ السَّعْيِ مِنْ الصَّفَا وَخَتْمُهُ وَهُوَ السَّابِعُ عَلَى الْمَرْوَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَبْتَدِئُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ وَقَوْلُهُ وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّجُوعَ هُوَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ وَلَا يَجْعَلُهُ شَوْطًا آخَرَ كَمَا لَا يَجْعَلُهُ جُزْءَ شَوْطٍ فَمَا قِيلَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ السَّعْيُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا فَيَقَعُ الْخَتْمُ عَلَى الصَّفَا لَيْسَ بِذَاكَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ.
(ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ) إنْ قَدِمَ أَيَّامَ الْحَجِّ (مُحْرِمًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِأَفْعَالِهِ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا نُسِخَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَلَقَ وَحَلَّ (وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا أَرَادَ)؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ لِلْغُرَبَاءِ وَيُصَلِّي بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَالتَّنَفُّلُ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَا يَرْمُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ السَّعْيِ.
(فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ خَطَبَ الْإِمَامُ) أَيْ الْخَلِيفَةُ أَوْ نَائِبُهُ (خُطْبَةً) بِلَا جِلْسَةٍ فِي وَسَطِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ) وَهِيَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَاتٍ وَالصَّلَاةِ وَالْوُقُوفِ فِيهَا وَالْإِفَاضَةِ، وَالْمَنَاسِكُ جَمْعُ الْمَنْسَكِ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا فِي الْأَصْلِ الْمُتَعَبَّدُ وَيَقَعُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ.
وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ بِمَعْنَى الذَّبْحِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ.
(وَكَذَا يَخْطُبُ) الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ مُعَلِّمًا لِلْمَنَاسِكِ الَّتِي مِنْ زَوَالِ عَرَفَةَ إلَى زَوَالِ يَوْمِ التَّشْرِيقِ وَهِيَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَالنَّحْرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (فِي) الْيَوْمِ (التَّاسِعِ) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الظُّهْرِ (بِعَرَفَاتٍ) بِالْكَسْرِ وَالتَّنْوِينِ فَإِنَّهَا مُنْصَرِفَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ مَنْعُ صَرْفِهِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ؛ لِأَنَّ تَنْوِينَ الْجَمْعِ تَنْوِينُ الْمُقَابَلَةِ لَا التَّمَكُّنُ فَصَارَ اسْمًا لِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ يُقَالُ لَهُ: عَرَفَةُ وَقِيلَ أَنَّهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُرْتَجِلَةِ فَإِنَّ عَرَفَةَ لَا تُعْرَفُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَ) يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً بِلَا جِلْسَةٍ بَعْدَ الظُّهْرِ مُعَلِّمًا لِبَاقِي الْمَنَاسِكِ الَّذِي هُوَ رَمْيُ الْجِمَارِ وَالنُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ ثُمَّ بِمَكَانِ الْوَاوِ فِيهِمَا لَكَانَ أَوْلَى.
(فِي) الْيَوْمِ (الْحَادِيَ عَشَرَ بِمِنًى) يَفْصِلُ بَيْنَ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ.
وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي ثَلَاثٍ مُتَوَالِيَاتٍ: أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَآخِرُهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ النَّحْرِ يَوْمَا اشْتِغَالٍ (فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى لَيْلَةً كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُك بِذَبْحِ ابْنِك هَذَا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى أَيْ تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ أَمْ لَا فَسُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ثُمَّ عَرَفَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ أَنَّهُ مِنْهُ تَعَالَى فَسُمِّيَ عَرَفَةَ ثُمَّ رَآهُ فِي اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ فَهَمَّ بِنَحْرِ وَلَدِهِ فَسُمِّيَ يَوْمَ النَّحْرِ (خَرَجَ) مِنْ مَكَّةَ (إلَى مِنًى) وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى مِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ فَإِذَا دَخَلَ مِنًى يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا مِنِّي وَهَذَا مِمَّا دَلَلْتنَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَمُنَّ عَلَيْنَا بِجَوَامِعِ الْخَيْرَاتِ وَبِمَا مَنَنْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَمُحَمَّدٍ حَبِيبِك وَبِمَا مَنَنْت عَلَى أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك فَإِنِّي عَبْدُك وَنَاصِيَتِي بِيَدِك جِئْتُ طَالِبًا لِمَرْضَاتِك.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ (فَيُقِيمُ بِهَا) أَيْ بِمِنًى (إلَى صَلَاةِ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ) وَيَمْكُثَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهَذَا سُنَّةٌ (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ) فَيُقِيمُ بِهَا وَهِيَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ مِنًى تَقْرِيبًا وَيَقُولَ عِنْدَ التَّوَجُّهِ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَجِهَةَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ أَرَدْتُ فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي وَبَارِكْ لِي فِي سَفَرِي وَاقْضِ بِعَرَفَاتٍ حَاجَتِي بِذَلِكَ فَإِنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَيُلَبِّي وَيُكَبِّرُ، وَإِذَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَعَايَنَهُ يَدْعُوَ وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَوَجْهَكَ أَرَدْت اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ وَاعْطِنِي سُؤَالِي وَوَجِّهْ لِي الْخَيْرَ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ (فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (خَطَبَ الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ) بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ فَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ لَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ وَيُرَادُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ (كَالْجُمُعَةِ وَعَلَّمَ فِيهِمَا الْمَنَاسِكَ وَصَلَّى بَعْدَ الْخُطْبَةِ) أَيْ عَقِيبَهَا (بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مَعًا بِأَذَانٍ) وَاحِدٍ أَيْ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قِيلَ يَرَاهُ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ الصُّعُودِ فِي رِوَايَةٍ.
وَفِي أُخْرَى بَعْدَ الْخُطْبَةِ (وَإِقَامَتَيْنِ) فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا يَنْفُلُ» فَإِنْ فَعَلَ يُثْنِي الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُعَادُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ جَمَعَهُمَا.
وَفِي الْبَحْرِ لَا يُصَلِّيَ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْتَفِلَ بَيْنَهُمَا فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَوْ تَنَفَّلَ سِوَى سُنَّةِ الظُّهْرِ يُثْنِي الْأَذَانَ لِعَصْرٍ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ وَأَكْثَرَ إطْلَاقِ الْمَشَايِخِ تَأَمَّلْ.
(وَشَرْطُ الْجَمْعِ) أَيْ لِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (صَلَاتُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ الْخَلِيفَةِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَحْدَهُ أَوْ بِجَمَاعَةٍ بِدُونِ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فِيهَا ثُمَّ أَحْرَمَ وَصَلَّى الْعَصْرَ بِجَمَاعَةٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لَا يَجُوزُ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمَا الْجَمَاعَةُ لَا فِيهِمَا وَلَا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ إحْرَامُ الْحَجِّ فِي الْعَصْرِ وَحْدَهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَ) شَرْطُ (كَوْنِهِ مُحْرِمًا) لِلْحَجِّ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي رِوَايَةٍ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ فِي أُخْرَى (فِيهِمَا) أَيْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقَالَ زُفَرُ: الْإِمَامُ وَالْإِحْرَامُ شَرْطٌ فِي الْعَصْرِ خَاصَّةً (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ (يَقِفُ) الْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ (رَاكِبًا مَعَ الْإِمَامِ) وَهُوَ أَفْضَلُ (بِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ وَهُوَ) أَيْ الْغُسْلُ (السُّنَّةُ قُرْبَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ) عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ جَبَلَ الرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْزِلَةُ الرَّحْمَةِ عَلَى الْحُجَّاجِ خُصُوصًا إذَا وَافَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ قَالَ سَعْدِيٌّ أَفْنِدِي وَقَعَ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً مِنْ غَيْرِ جُمُعَةٍ» ذَكَرَهُ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ بِعَلَامَةِ الْمُوَطَّأِ وَأَفْضَلُ الْمَوَاقِفِ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمَفْرُوشَاتِ فِي طُرُقِ جُبَيْلَاتِ الصِّغَارِ الَّتِي كَأَنَّهَا الرَّوَابِي الصِّغَارُ عِنْدَ الْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ بِجَبَلِ الرَّحْمَةِ (وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ عَنْ يَسَارِ الْمَوْقِفِ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَجْهُ النَّهْيِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ رَأَى الشَّيْطَانَ فِيهَا وَأُمِرَ أَنْ لَا يَقِفَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ احْتِرَازًا عَنْهُ.
(وَيَسْتَقْبِلُ) الْإِمَامُ (الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ بَاسِطًا) أَيْ رَفْعَ بَسْطٍ (حَامِدًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاعِيًا) لِمَا يَجِبُ (بِحَاجَتِهِ بِجَهْدٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ حُضُورُ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لِأُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ قِيلَ وَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ تُبَاهِي الْمَلَائِكَةُ اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي اللَّهُمَّ إنَّك تَسْمَعُ كَلَامِي وَتَرَى مَكَانِي وَتَعْلَمُ سِرِّيَّ وَعَلَانِيَتِي لَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْءٌ أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ الْمَغْرُورُ أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمَسَاكِينِ وَأَبْتَهِلُ إلَيْك ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ وَأَدْعُوَك دُعَاءَ الْخَائِفِ الْفَقِيرِ وَمَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَغِمَ أَنْفُهُ وَلَا تَجْعَلنِي بِدُعَائِك رَبِّي شَقِيًّا وَكُنْ لِي رَءُوفًا رَحِيمًا يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ وَيَا أَكْرَمَ مَأْمُولٍ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا قَدَّمْتُ مِنْ ذَنْبِي وَتَغْفِرَ لِي مَا عَلِمْتُ مِنْ الذُّنُوبِ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَتَعْصِمَنِي بَعْدَ هَذِهِ السَّاعَةِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي وَتَفْتَحَ لِي أَبْوَابَ طَاعَتِك وَتُغْلِقَ عَنِّي أَبْوَابَ مَعْصِيَتِك وَتَحْفَظَنِي مِنْ بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَمِنْ يَمِينِي وَشِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَتَحْتِي وَتُلْبِسَنِي ثِيَابَ التَّقْوَى وَالْعَافِيَةِ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي وَتَرْحَمَنِي إذَا تَوَفَّيْتنِي وَتَجْعَلَنِي مِمَّنْ يَكْتَسِبُ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَيُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِك يَا فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ضَجَّتْ لَك الْأَصْوَاتُ بِصُنُوفِ اللُّغَاتِ يَسْأَلُونَك الْحَاجَاتِ وَحَاجَتِي أَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي فِي دَارِ الْبَلَاءِ إذَا نَسِيَنِي الْأَهْلُ وَالْأَقْرَبُونَ اللَّهُمَّ إلَيْك خَرَجْنَا وَبِفِنَائِك أَنَخْنَا وَإِلَيْك قَصَدْنَا وَمَا عِنْدَك طَلَبْنَا وَلِإِحْسَانِك تَعَرَّضْنَا وَلِرَحْمَتِك رَجَوْنَا وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْنَا وَبَيْتَك الْحَرَامَ حَجَجْنَا يَا مِنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ السَّائِلِينَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ضَمَائِرِ الصَّامِتِينَ اللَّهُمَّ إنَّا أَضْيَافُك وَلِكُلِّ ضَيْفٍ قِرًى فَاجْعَلْ قِرَانَا مِنْكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَلِكُلِّ سَائِلٍ عَطِيَّةٌ وَلِكُلِّ رَاجٍ ثَوَابٌ وَلِكُلِّ مُتَوَكٍّ إلَيْك عَفْوٌ وَقَدْ وَفَدْنَا إلَى بَيْتِك الْحَرَامِ وَأَوْقَفْنَا بِهَذِهِ الْمَشَاعِرِ الْعِظَامِ وَشَاهَدْنَا مِنْ الْمَشَاهِدِ الْكِرَامِ رَجَاءً لِمَا عِنْدَك فَلَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا وَتَجَاوَزْ عَنَّا وَاعْتِقْ رِقَابَنَا مِنْ النَّارِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ الْمُبَارَكِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ وَهَذَا إجْمَالٌ فِي ذِكْرِ الدُّعَاءِ وَلَيْسَ لَهُ دُعَاءٌ مُعَيَّنٌ وَالْغَرَضُ الْإِرْشَادُ إلَى كَيْفِيَّتِهِ لَا الْحَصْرُ وَكُلُّ دُعَاءٍ يَعْلَمُهُ يَدْعُو بِهِ وَكُلُّ حَاجَةٍ فِي صَدْرِهِ يَسْأَلُ اللَّهَ إيَّاهَا وَيَجْتَهِدُ عَلَى أَنْ يَقْطُرَ مِنْ عَيْنَيْهِ قَطَرَاتٍ مِنْ الدُّمُوعِ وَيَدْعُوَ لِأَبَوَيْهِ وَلِإِخْوَانِهِ وَلِأَهْلِهِ وَلِمَعَارِفِهِ وَيُلِحَّ فِي الدُّعَاءِ مَعَ قُوَّةِ الرَّجَاءِ لِلْإِجَابَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اُدْعُونِي اسْتَجِبْ لَكُمْ} وَهِيَ مَجْمَعٌ عَظِيمٌ وَمَوْقِفٌ جَلِيلٌ يَجْتَمِعُ فِيهَا خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ اُحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَاجْعَلْنَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ آمِينَ (وَيَقِفَ النَّاسُ وَرَاءَ الْإِمَامِ بِقُرْبِهِ) وَهُوَ أَيْ الْقُرْبُ أَفْضَلُ (مُسْتَقْبِلِينَ) إلَى الْقِبْلَةِ (سَامِعِينَ لِقَوْلِهِ) لِلتَّعَلُّمِ بِمَا يُعَلِّمُهُ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَاللَّيَالِي كُلُّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ وَلَيْلَةُ عَرَفَةَ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَلَيْلَةُ النَّحْرِ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ عَرَفَةَ (ثُمَّ يُفِيضُونَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الزِّحَامِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا لَمْ يُجَاوِزُوا حُدُودَ عَرَفَاتٍ وَلَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهُ لَكِنْ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ الْقَلِيلُ لِلزِّحَامِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً يُسْرِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُثْنِي سَاعَةً فَسَاعَةً وَيَقُولَ إذَا دَنَا وَقْتُ الْغُرُوبِ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ وَارْزُقْنِيهِ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي وَاجْعَلْنِي الْيَوْمَ مُفْلِحًا مُنَجَّحًا مَرْحُومًا مُسْتَجَابَ الدُّعَاءِ مَغْفُورَ الذُّنُوبِ وَاجْعَلْنِي مِنْ أَكْرَمِ وَفْدِكَ وَاعْطِنِي أَفْضَلَ مَا أَعْطَيْتَ أَحَدًا مِنْهُمْ مِنْ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالتَّجَاوُزِ وَالْغُفْرَانِ وَالرِّزْقِ الْوَاسِعِ الْحَلَالِ وَبَارِكْ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَى مُزْدَلِفَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِ اللَّامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَسْجِدِ عَرَفَاتٍ (وَيَنْزِلُ بِقُرْبِ جَبَلِ قُزَحَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُ جَبَلٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ مِنْ قَازَحَ بِمَعْنَى ارْتَفَعَ وَلَا يَنْزِلْ عَلَى طَرِيقٍ كَيْ لَا يَضُرَّ بِالْمَارِّينَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَيَقُولَ عِنْدَ دُخُولِ مُزْدَلِفَةَ: اللَّهُمَّ هَذَا جَمْعٌ أَسْأَلُك أَنْ تَرْزُقَنِي فِيهِ جَوَامِعَ الْخَيْرِ كُلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِيهَا غَيْرُك اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَبِّ الزَّمْزَمِ وَالْمَقَامِ وَرَبِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَرَبِّ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْعِظَامِ أَسْأَلُك أَنْ تُبَلِّغَ عَلَى رُوحِ مُحَمَّدٍ مِنِّي أَفْضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ وَأَنْ تُصْلِحَ دِينِي وَذُرِّيَّتِي وَتَشْرَحَ لِي صَدْرِي وَتُطَهِّرَ قَلْبِي وَتَرْزُقَنِي الْخَيْرَ الَّذِي كُنْتُ سَأَلْتُكَ وَأَنْ تَقِيَنِي مِنْ جَوَامِعِ الشَّرِّ كُلِّهِ إنَّك وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ.
(وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَيَتَبَادَرُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَغْرِبَ عَلَى الْعِشَاءِ فَلَوْ أَخَّرَ أَعَادَ الْعِشَاءَ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ وَأَنْ لَا تَتَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ.
وَلَوْ تَطَوَّعَ أَعَادَ الْإِقَامَةَ كَمَا اشْتَغَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ.
وَفِي النِّهَايَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِحْرَامُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْإِمَامُ لَكِنْ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِمَامُ لَا الْجَمَاعَةُ عِنْدَهُ، وَيُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لَا الْإِمَامُ عِنْدَهُمَا (بِأَذَانٍ) وَاحِدٍ.
(وَإِقَامَةٍ) وَاحِدَةٍ وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِإِقَامَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَعَنْهُ بِأَذَانَيْنِ أَيْضًا، وَإِذَا فَرَغَ يَقُولُ اللَّهُمَّ حَرِّمْ لَحْمِي وَشَعْرِي وَدَمِي وَعَظْمِي وَجَمِيعَ جَوَارِحِي عَلَى النَّارِ وَيَسْأَلُ إرْضَاءَ الْخُصُومِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ ذَلِكَ لِمَنْ طَلَبَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ (وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ بِعَرَفَاتٍ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا طَلَعَ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ أَصْلًا لَكِنَّهُ مُسِيءٌ.
(وَيَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ) وَيَنْبَغِي إحْيَاءُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِالْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالْأَدْعِيَةِ الصَّالِحَةِ وَالْأَذْكَارِ الْفَاتِحَةِ وَيَخْتِمُ الْكُلَّ بِالْفَاتِحَةِ (فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى) الْفَجْرَ مُلْتَبِسًا (بِغَلَسٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ الْمُخْتَلِطَةِ بِضَوْءِ الصُّبْحِ لِيَحْصُلَ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ (وَوَقَفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَصَنَعَ كَمَا فِي عَرَفَةَ) مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَرَفْعِ الْيَدِ بَسْطًا وَحَمْدِهِ تَعَالَى وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ وَالدُّعَاءِ لِحَاجَتِهِ بِجَهْدٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ خَيْرُ مَطْلُوبٍ وَخَيْرُ مَرْغُوبٍ إلَيْهِ إلَهِي لِكُلِّ ضَعِيفٍ قُوًى فَاجْعَلْ قُوَايَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ تَتَقَبَّلَ تَوْبَتِي وَتَجَاوَزْ عَنْ خَطِيئَتِي وَتَجْمَعَ عَلَى الْهُدَى أَمْرِي وَتَجْعَلَ الْيَقِينَ مِنْ الدُّنْيَا هَمِّي اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَأَجِرْنِي مِنْ النَّارِ وَوَسِّعْ عَلَيَّ الرِّزْقَ الْحَلَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلُهُ آخِرَ الْعَهْدِ بِهَذَا الْمَوْقِفِ وَارْزُقْنِي أَبَدًا مَا أَحْيَيْتَنِي فَإِنِّي لَا أُرِيدُ إلَّا رَحْمَتَكَ وَلَا أَبْتَغِي إلَّا رِضَاكَ وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمُخْبِتِينَ وَالْمُتَّبِعِينَ لِأَمْرِك وَالْعَامِلِينَ بِفَرَائِضِك الَّتِي جَاءَ بِهَا كِتَابُك وَحَثَّ عَلَيْهَا رَسُولُك صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا) لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ (وَادِي مُحَسِّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ مَوْضِعٌ عَلَى يَسَارِ الْمُزْدَلِفَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ فِيهِ بَلْ يُمْشَى فِيهِ سَرِيعًا فَكَأَنَّهُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ وَالتَّحْسِيرُ الْإِتْعَابُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَإِذَا أَسْفَرَ نَفَرَ) أَيْ خَرَجَ (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى مِنًى) وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَالسِّرَاجِيَّةِ أَنَّهُ يَأْتِيهِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَوَّلَهُ الْكَافِي بِأَنَّ الْمُرَادَ إذَا قَرُبَتْ مِنْ الطُّلُوعِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ تَغْلِيظُ الْهِدَايَةِ لِعَدَمِ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الدَّفْعِ اللَّهُمَّ إلَيْك أَفَضْتُ وَمِنْ عَذَابِكَ أَشْفَقْتُ وَإِلَيْك تَوَجَّهْتُ وَمِنْكَ رَهِبْتُ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ نُسُكِي وَأَعْظِمْ أَجْرِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَاسْتَجِبْ دُعَائِي وَاقْبَلْ تَوْبَتِي وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا أَمْكَنَ فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ مَاشِيًا وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ.
(فَيَبْدَأُ) أَيْ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ (فِيهَا) أَيْ فِي مِنًى (بِرَمْيِ جَمْرَةٍ) لَا بِوَضْعٍ وَذَا لَا يَجُوزُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا وَلَوْ طَرَحَهَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ رَمَى إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ لَهُ حُكْمُهُ وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ الْجَمْرَةَ بَلْ فِي بُقْعَةٍ أُخْرَى، وَالْقُرْبُ قَدْرُ ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ: حَدُّ الْبَعِيدِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ (الْعَقَبَةِ) بِفَتْحَتَيْنِ ثَالِثَةُ الْجَمَرَاتِ عَلَى حَدِّ مِنًى مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ وَلَيْسَ مِنْ مِنًى وَيُقَالُ الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَالْجَمْرَةُ الْأَخِيرَةُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) أَيْ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَاهُ وَيَجْعَلُ الْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ رَافِعًا يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ (بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) أَيْ يَرْمِي سَبْعَ حَصَيَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَمَى جُمْلَةً لَمْ يُجْزِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ فَلَوْ رَمَى بِأَكْثَرَ مِنْهَا جَازَ لَا بِالْأَقَلِّ (كَحَصَى الْخَذْفِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ صِغَارُ الْحَصَى قِيلَ مِقْدَارُ النَّوَاةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْأُنْمُلَةِ، وَلَوْ رَمَى بِأَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْمِيُّ مَغْسُولًا مَأْخُوذًا مِنْ غَيْرِ الْجَمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَرْدُودُ وَلَوْ رَمَى بِمُتَنَجِّسَةٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ حَجَرًا وَاحِدًا فَيَكْسِرَهُ سَبْعِينَ حَجَرًا صَغِيرًا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِلِاسْتِهَانَةِ فَيَجُوزُ بِالْمَدَرِ وَنَحْوِهِ لَا بِالشَّجَرِ واللعل وَالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِهَانَةَ لَا تَقَعُ بِمِثْلِهَا.
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ جَوَازُ نَحْوِ الْيَاقُوتِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ بِهِ نُثَارٌ وَإِعْزَازٌ لَا إهَانَةٌ.
وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَقِيلَ يَأْخُذُ بِطَرَفِ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ وَقِيلَ يُحَلِّقُ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مِفْصَلِ إبْهَامِهِ وَقِيلَ يَرْمِي رَمْيَةَ الْمَعْرُوفَةَ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ مَشَايِخِ بُخَارَى أَنَّهُ يَرْمِي كَيْفَ يَشَاءُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَ هَذَا الرَّمْيِ وَلَهُ أَوْقَاتٌ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ - الْجَوَازُ وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا.
وَالثَّانِي - الِاسْتِحْبَابُ وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ.
وَالثَّالِثُ - الْإِبَاحَةُ وَهُوَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ.
وَالرَّابِعُ - الْكَرَاهَةُ وَهُوَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ هَذَا الرَّمْيُ مِنْ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ (يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا.
وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الذِّكْرِ هَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ أَصْلًا أَجْزَأَهُ.
(وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) أَيْ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ يَرْمِيهَا عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْرِدِ وَالْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ (وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ.
(ثُمَّ يَذْبَحُ إنْ أَحَبَّ)؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُفْرِدِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ إلَّا تَطَوُّعًا (ثُمَّ يَحْلِقُ) رَأْسَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَلْقُ (أَفْضَلُ) مِنْ التَّقْصِيرِ كَمَا أَنَّ حَلْقَ الْكُلِّ أَفْضَلُ مِنْ حَلْقِ الرُّبُعِ (أَوْ يُقَصِّرُ) التَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِهِ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ، وَيَجِبُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ عَلَى الْمُخْتَارِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ بِرَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يُمْكِنُ إمْرَارُهُ عَلَيْهِ سَقَطَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ إزَالَةُ الشَّعْرِ وَلَوْ بِالنَّارِ أَوْ بِالنُّورَةِ، وَلَمْ يُعْذَرْ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْحَلَّاقَ أَوْ الْمُوسَى فَإِذَا مَضَى أَيَّامُ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَلْمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ شَارِبِهِ وَالدُّعَاءُ قَبْلَ الْحَلْقِ وَبَعْدَهُ مَعَ التَّكْبِيرِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا وَلَوْ فَعَلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ) كُلُّ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَخْذِ هَذَيْنِ (غَيْرُ النِّسَاءِ) أَيْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ جِمَاعُهُنَّ وَدَوَاعِيهِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ لَا النَّظَرِ فِي فَرْجِهَا فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ أَنْزَلَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي قَوْلٍ لَا يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ وَالصَّيْدُ أَيْضًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا «إذَا حَلَقَ الْحَاجُّ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَقَالَتْ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ وَلِإِحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَأَمَّا مَا فِي الْخَانِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الطِّيبَ لَا يَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فَضَعِيفٌ تَدَبَّرْ (ثُمَّ يَذْهَبُ مِنْ يَوْمِهِ) وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ إنْ اسْتَطَاعَ (أَوْ الْغَدِ) أَيْ غَدِ يَوْمِ النَّحْرِ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْغَدِ وَلَا يُؤَخِّرُ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ) سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَهَذَا هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ (بِلَا رَمَلٍ) بِالتَّحْرِيكِ (وَلَا سَعْيٍ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (إنْ كَانَ قَدَّمَهُمَا) فِي طَوَافِ الْقُدُومِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهُمَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ (رَمَلَ فِيهِ) أَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ.
(وَسَعَى بَعْدَهُ) وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَكَذَا الرَّمَلُ لِيَصِيرَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ دُونَ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ) وَلَوْ فِي الْحَقِيقَةِ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّ عَمَلَهُ يَتَأَخَّرُ فِي حَقِّهِنَّ إلَى الطَّوَافِ، فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقُ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَخَّرَ عَمَلَهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
(وَوَقْتُهُ) أَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ) وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ (وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ الزِّيَارَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ يَوْمِ النَّحْرِ لَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ حَتَّى يَجِبَ الدَّمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (أَفْضَلُ) لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (تَأْخِيرُهُ) أَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) لِتَرْكِ الْوَاجِبِ (ثُمَّ يَعُودُ) مِنْ مَكَّةَ (إلَى مِنًى) بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَيَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (فَيَرْمِي الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (بَعْدَ الزَّوَالِ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ إلَى الْغُرُوبِ اسْتِحْبَابًا وَإِلَى آخِرِ اللَّيْلِ جَوَازًا (يَبْدَأُ) فِي الرَّمْيِ (بِاَلَّتِي) أَيْ بِالْجَمْرَةِ الَّتِي (تَلِي الْمَسْجِدَ) أَيْ مَسْجِدَ الْخَيْفِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ (فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَهَا) حَامِدًا مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعًا يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ (وَيَدْعُو) لِحَاجَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِغْفَارُ لِنَفْسِهِ وَلِأَبَوَيْهِ وَلِإِخْوَانِهِ وَأَقَارِبِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِيهَا) أَيْ تَلِي الْجَمْرَةَ الْأُولَى وَهِيَ الْجَمْرَةُ الْوُسْطَى وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةُ أَذْرُعٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (كَذَلِكَ) أَيْ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مُكَبِّرًا مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَهَا وَيَدْعُو (ثُمَّ) يَبْتَدِئُ (بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) أَيْ يَرْمِي مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَبَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْوُسْطَى أَرْبَعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ ذِرَاعًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (كَذَلِكَ) أَيْ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مُكَبِّرًا مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَدْعُو (إلَّا أَنَّهُ لَا يَقِفُ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ (ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الثَّانِي (ثُمَّ إنْ شَاءَ نَفَرَ) أَيْ رَجَعَ مِنْ مِنًى (إلَى مَكَّةَ وَلَهُ) أَيْ لِلْحَاجِّ (ذَلِكَ) أَيْ النَّفْرُ (قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ (لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَيْسَ لَهُ النَّفْرُ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ (حَتَّى يَرْمِيَ)؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْجِمَارِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ (وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ) بِمِنًى (فَرَمَى كَمَا تَقَدَّمَ) فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (وَهُوَ أَحَبُّ) أَيْ الْمُكْثُ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَكَثَ فِيهِ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ.
(وَإِنْ رَمَى فِيهِ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ (قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ (وَجَازَ) لِلرَّامِي (الرَّمْيُ رَاكِبًا وَرَاجِلًا) لِحُصُولِ فِعْلِ الرَّمْيِ (وَغَيْرَ رَاكِبٍ أَفْضَلُ فِي غَيْرِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ)، فَإِنَّ رَمْيَهَا رَاكِبًا أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ذَاهِبٌ إلَى مَكَّةَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ وَغَالِبُ النَّاسِ رَاكِبٌ فَلَا إيذَاءَ فِي رُكُوبِهِ مَعَ تَحْصِيلِهِ فَضِيلَةَ الِاتِّبَاعِ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (وَيَبِيتُ لَيَالِي الرَّمْيَ بِمِنًى) فَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَاجِبٌ (وَكُرِهَ تَقْدِيمُ ثَقَلَهُ) الثَّقَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْمَتَاعُ الْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْجَمْعُ أَثْقَالٌ (إلَى مَكَّةَ قَبْلَ نَفْرِهِ)؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُ أَمْتِعَتِهِ بِمَكَّةَ وَالذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَيْهَا بِمَكَّةَ أَمَّا إنْ أَمِنَ فَلَا لِعَدَمِ شَغْلِ الْقَلْبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
(فَإِذَا نَفَرَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَعَ تَشْدِيدِ الصَّادِ اسْمُ مَوْضِعِ وَادٍ وَاسِعٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَيُسَمَّى الْأَبْطُحَ (وَلَوْ سَاعَةً)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَزَلَ بِهِ سَاعَةً يَسِيرَةً وَدَعَا فِيهِ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ، وَالنُّزُولُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِسُنَّةٍ (فَإِذَا أَرَادَ الظَّعْنَ) أَيْ السَّفَرَ وَالرَّحِيلَ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ مَكَّةَ (طَافَ لِلصَّدَرِ) وَيُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ وَطَوَافَ آخِرِ الْعَهْدِ وَطَوَافَ الْوَاجِبِ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بِلَا رَمَلٍ وَلَا سَعْيٍ) ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ تَشَاغَلَ بِمَكَّةَ بَعْدَ طَوَافِ الصَّدَرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافٌ آخَرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ كَيْ لَا يَكُونَ بَيْنَ طَوَافِهِ وَنَفْرِهِ حَائِلٌ وَمَنْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدَرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَطُوفُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جَدِيدٍ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمِيقَاتَ فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ فَإِنْ رَجَعَ رَجَعَ بِعُمْرَةٍ وَيَبْتَدِئُ بِطَوَافِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ طَافَ لِلصَّدَرِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَقَالُوا: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ وَيُرِيقَ دَمًا إنْ اقْتَدَرَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَأَيْسَرُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَمَشَقَّةِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ الصَّدَرِ (وَاجِبٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ» وَلَكِنْ لَا تُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ حَتَّى لَوْ طَافَ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدَرِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ (إلَّا عَلَى الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ) هَذِهِ مُسْتَدْرَكَةٌ؛ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُ اتِّبَاعًا لِأَكْثَرِ الْمُتُونِ تَتَبَّعْ.
(ثُمَّ يَسْتَقِي) بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ (مِنْ) بِئْرِ (زَمْزَمَ وَيَشْرَبُ) مِنْ مَائِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ وَيَتَنَفَّسُ فِيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَرْفَعُ بَصَرَهُ كُلَّ مَرَّةٍ وَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَيَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ إنْ تَيَسَّرَ وَيَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِمَطَالِبَ جَلِيلَةٍ فَنَالُوهَا بِبَرَكَتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (ثُمَّ يَأْتِي الْبَابَ) أَيْ بَابَ الْكَعْبَةِ (وَيُقَبِّلُ الْعَتَبَةَ) تَعْظِيمًا لِلْكَعْبَةِ (وَيَضَعُ صَدْرَهُ وَبَطْنَهُ وَخَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْمُلْتَزَمِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَهُوَ مَا (بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) مَسَافَةُ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ (وَيَتَشَبَّثُ) أَيْ يَتَعَلَّقُ (بِالْأَسْتَارِ) أَيْ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ (سَاعَةً) كَالْمُتَعَلِّقِ بِطَرَفِ ثَوْبٍ لِمَوْلًى جَلِيلٍ لِلِاسْتِعَانَةِ فِي أَمْرٍ لَيْسَ لَهُ فِيهِ سَبِيلٌ (وَيَدْعُو) حَالَ كَوْنِهِ (مُجْتَهِدًا) فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الْإِجَابَةِ (وَيَبْكِي) أَوْ يَتَبَاكَى مُتَحَسِّرًا عَلَى فِرَاقِ الْبَيْتِ قَائِلًا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ (وَيَرْجِعُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (الْقَهْقَرَى) رُجُوعًا إلَى خَلْفٍ نَاظِرًا إلَى الْبَيْتِ (حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) هَذَا بَيَانٌ لِلْمُسْتَحَبِّ وَقَدْ شَرِبَ مَاءَ زَمْزَمَ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ وَتَقْبِيلِ الْعَتَبَةِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِيهِ: هَذَا بَيْتُكَ الَّذِي جَعَلْتَهُ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، اللَّهُمَّ كَمَا هَدَيْتَنَا كَذَلِكَ فَتَقَبَّلْهُ مِنَّا وَلَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ بَيْتِكَ الْحَرَامِ وَارْزُقْنِي الْعَوْدَ إلَيْهِ حَتَّى تَرْضَى بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَهُنَا قَدْ تَمَّ أَفْعَالُ الْحَجِّ مَعَ التَّقْصِيرِ فِي التَّقْرِيرِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَنَا الْحَجَّ الشَّرِيفَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَفَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى.